في أعماق الفضاء السحيق، حيث يحكم السكون المطلق، تسبح كيانات غامضة تدعى السدم، سحب كونية هائلة تتراقص بين الموت والولادة، وتجسد دورة الحياة في أبسط صورها وأعظمها. السديم ليس مجرد غيمة فضائية عابرة، بل هو أحد أعمدة الكون الأساسية، ومهد النجوم ومقابرها في آن واحد.
السديم هو سحابة ضخمة من الغاز والغبار الكوني، غالبا ما يتكون من الهيدروجين والهيليوم، بالإضافة إلى عناصر أثقل مثل الكربون والنيتروجين والحديد. بعض السدم تتوهج بلونها الخاص نتيجة التفاعلات النووية أو انعكاس ضوء النجوم، وبعضها الاخر يظهر مظلما حاجبا ما وراءه من أضواء.
يتكون السديم أساسا من غاز الهيدروجين، وهو العنصر الأخف والأكثر شيوعا في الكون، وغاز الهيليوم الناتج عن اندماج الهيدروجين في قلب النجوم، بالإضافة إلى غبار كوني يحتوي على ذرات الكربون والسيليكون والحديد وغيرها، ويعتبر المادة الخام لتشكيل الكواكب والنجوم.
كل نجم يولد من سحابة غازية ويعيش عمرا يختلف حسب كتلته، لكنه في النهاية يموت. النجوم الصغيرة والمتوسطة، مثل شمسنا، تموت حينما ينفد الهيدروجين في نواتها. بعد ذلك، تنتفخ وتتحول إلى عملاق أحمر، ثم تطرد طبقاتها الخارجية لتترك وراءها قزما أبيض محاطا بسديم كوكبي. أما النجوم الضخمة فتموت بطريقة أعنف. عندما تنتهي من إنتاج العناصر داخل نواتها، خاصة الحديد، تنهار فجأة على نفسها بفعل الجاذبية، وتنفجر في حدث مروع يعرف بـ "السوبرنوفا"، يبعثر طبقات النجم في الفضاء.
عندما ينفجر النجم، تقذف طبقاته الخارجية بسرعة هائلة في الفضاء، حاملة معها غازا وغبارا كثيفا. هذا الحطام لا يتلاشى، بل يبدأ بالتجمع بفعل الجاذبية مكونا سحابة ضخمة: و هي السديم. بمرور الوقت، يمكن لهذا السديم أن يبرد، وتبدأ فيه مناطق كثيفة تنكمش على نفسها، فتتكون نجوم جديدة بداخله. بذلك، يصبح موت النجم سببا في ولادة نجوم جديدة، وكأن الكون يعيد تدوير الحياة نفسها.
تنقسم السدم إلى عدة أنواع:
السديم الانبعاثي يشع الضوء بذاته نتيجة تأين الغازات فيه، وغالبا ما يكون لونه أحمر بسبب الهيدروجين.
السديم العاكس لا يشع، بل يعكس ضوء النجوم القريبة، وغالبا ما يظهر بلون أزرق.
السديم المظلم هو سحب كثيفة من الغبار تحجب الضوء خلفها، وتظهر كبقع داكنة في السماء.
السديم الكوكبي ناتج عن موت نجم متوسط الحجم، ويبدو كحلقة غازية متوهجة حول نجم ميت.
اما بقايا المستعر الأعظم فهي ما يتبقى بعد انفجار نجم ضخم.
السديم في غاية الأهمية في الكون، فهو مهد للنجوم، حيث تخلق النجوم من جديد داخله. كما أنه مصنع للعناصر، إذ يحتوي على العناصر التي صنعت داخل النجوم الميتة، والتي تستخدم لاحقا في تكوين كواكب وأجسام فضائية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم السدم كأدوات لدراسة تطور النجوم والكون نفسه.
بعد أن يتشكل السديم، تبدأ أجزاء منه في الانهيار نحو الداخل بفعل الجاذبية. في هذه المناطق، يزداد الضغط والحرارة إلى أن تبدأ عملية الاندماج النووي، وتولد النجوم. بعضها يكوّن أنظمة شمسية، وبعضها الاخر يظل معزولا. بعض السدم تتلاشى مع مرور الوقت بعد أن تولد النجوم، إذ تقوم الرياح النجمية من النجوم الجديدة بتشتيت الغاز والغبار المحيط بها.
من أشهر السدم في السماء:
سديم الجبار، وهو أحد أسطع السدم ويمكن رؤيته بالعين المجردة.
سديم النسر، ويشتهر بعمود الخلق, مجرات غازية على شكل أعمدة.
سديم السرطان، وهو بقايا سوبرنوفا لوحظت عام 1054.
سديم الحلقة، وهو سديم كوكبي ذو شكل حلقي. وسديم رأس الحصان، وهو سديم مظلم على شكل رأس حصان.
وهكذا، لا يبدو السديم مجرد سحابة في السماء، بل هو شهادة على حكمة كونية خالدة، حيث يولد الجمال من الرماد، وتنبثق الحياة من غبار الموت. إن تأملت سديما، فأنت لا ترى مجرد ضوء أو ظل، بل تلمس بعيونك قصة الخلق من جديد.
فهل بعد هذا، نجرؤ على القول إن النهاية هي نهاية؟
.
لدي إهتِمام كبير بالسُدم، أفَادني مقالكِ، شكرا لك
مقال رائعع جدا ومفيد واصلي 💕💕